كشمير تحت وطأة القصف: تصاعد التوتر العسكري بين الهند وباكستان النوويتين يهدد الاستقرار الإقليمي ويثير قلق المجتمع الدولي
كتب – أحمد سلامة
تتصاعد حدة التوترات بين الهند وباكستان، الجارتين النوويتين، عقب هجوم إرهابي في 22 أبريل 2025 بمنطقة باهالغام في كشمير، أسفر عن مقتل 26 شخصًا، معظمهم من السياح.
هذا الهجوم أشعل فتيل أزمة دبلوماسية وعسكرية غير مسبوقة، حيث تبادل البلدان اتهامات حادة وإجراءات انتقامية، مما أثار مخاوف دولية من تصعيد قد يهدد استقرار المنطقة والعالم.. ووسط دعوات الأمم المتحدة وعدد من الدول الكبرى لضبط النفس، يبقى السؤال: هل ستنجح الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمة، أم أن شبح الحرب الشاملة يلوح في الأفق؟
خلفية الأزمة: كشمير مرة أخرى
كشمير، الإقليم المتنازع عليه منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، ظل نقطة اشتعال دائمة بين الهند وباكستان.. الهجوم الأخير، الذي استهدف حافلة سياحية في باهالغام، وصفته الهند بأنه “عمل إرهابي” نفذته جماعات مسلحة مدعومة من باكستان.
وفي خطوة تصعيدية، اتهم وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ إسلام آباد بالوقوف وراء الهجوم، متعهدًا بملاحقة الجناة “حتى وراء الكواليس”.. وفي المقابل، نفت باكستان أي علاقة لها، وأعربت وزارة خارجيتها عن أسفها لفقدان الأرواح، لكنها حذرت من أي تهديد لسيادتها، واصفة محاولات الهند لتجميد معاهدة مياه نهر السند بـ”عمل حربي”.
ردًا على ذلك، اتخذت الهند سلسلة إجراءات صارمة، شملت إغلاق معبر واغه الحدودي، تعليق التجارة مع باكستان، طرد دبلوماسيين باكستانيين، وحظر حسابات مشاهير باكستانيين على وسائل التواصل الاجتماعي.. باكستان، من جانبها، ردت بإجراءات مماثلة، بما في ذلك حظر عبور الطيران الهندي في أجوائها وتعليق البريد بين البلدين، وفي تصريح قوي، هدد الجيش الباكستاني بـ”سحق وتدمير” أي تهديدات هندية، مما أثار مخاوف من مواجهة عسكرية شاملة.
خلال الـ 48 ساعة الماضية، شهدت منطقة كشمير تصعيدًا عسكريًا خطيرًا بين الهند وباكستان، حيث تبادل البلدان قصفًا صاروخيًا ومدفعيًا عبر خط وقف إطلاق النار.
بدأت الأحداث مساء الثلاثاء، 6 مايو 2025، عندما أعلن الجيش الهندي تنفيذ ضربات صاروخية دقيقة استهدفت “بنى تحتية إرهابية” في مواقع باكستانية، بما في ذلك بهاوالبور، مظفر آباد، وكوتلي، رداً على هجوم 22 أبريل في باهالغام.. وردت باكستان بقصف مدفعي على مناطق مثل بونش وراجوري في الشطر الهندي من كشمير، معلنة إسقاط خمس طائرات هندية، بما في ذلك مقاتلات من طراز رافال وسو-30، وهو ما لم تؤكده الهند أو تنفيه.
أسفر القصف المتبادل عن مقتل 26 مدنيًا على الأقل وإصابة 46 في باكستان، مع خسائر غير محددة في الهند. وسط إغلاق المجال الجوي وتعليق التجارة، أثارت هذه التطورات مخاوف دولية من حرب شاملة بين الجارتين النوويتين.
* دعوات للتهدئة وسط مخاوف من كارثة
أثارت الأزمة قلقًا دوليًا واسعًا، حيث أصدرت دول ومنظمات كبرى تصريحات تدعو إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد.. الأمم المتحدة، عبر الأمين العام أنطونيو جوتيريش، أدانت الهجوم الإرهابي، ودعت الهند وباكستان إلى “ممارسة أقصى درجات ضبط النفس” لمنع خروج الوضع عن السيطرة.. مؤكدًا استعداد المنظمة لدعم أي مبادرات دبلوماسية تهدف إلى خفض التوتر، محذرًا من أن التوترات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات.
الولايات المتحدة، الحليف التقليدي للهند، أبدت دعمًا مشروطًا لنيودلهي.. الرئيس دونالد ترامب، في تصريح مقتضب، أعرب عن ثقته بأن البلدين “سيجدان حلاً”، بينما دعا نائب الرئيس جيه دي فانس باكستان إلى التعاون في التحقيق بالهجوم، محذرًا من أي تصعيد عسكري.
وزير الخارجية ماركو روبيو، من جانبه، أكد دعم واشنطن للهند في مواجهة “التطرف”، لكنه شدد على ضرورة حل الخلافات سلميًا، مشيرًا إلى أهمية باكستان في مفاوضات السلام مع طالبان.
روسيا، التي تحافظ على علاقات متوازنة مع كلا البلدين، حثت عبر نائب وزير الخارجية أندريه رودينكو على الحوار البناء، معبرة عن قلقها من تداعيات التصعيد على الاستقرار الإقليمي.
الصين، الحليف الاستراتيجي لباكستان، دعت إلى ضبط النفس والحوار، مع مراعاة مصالحها الاقتصادية في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.. وفي موقف مماثل، أكدت تركيا، عبر الرئيس رجب طيب أردوغان، دعمها للحلول السلمية، نافية مزاعم إرسال أسلحة لباكستان.
قطر ومصر أبدتا دعمهما للجهود الدبلوماسية، حيث أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالات مع نظيريه الهندي والباكستاني لدعم التهدئة.
إيران، الساعية للعب دور وسيط إقليمي، أعربت عن قلقها من تأثير التصعيد على أمن حدودها الشرقية، مؤكدة عبر وزير خارجيتها عباس عراقجي أهمية باكستان كـ”جارة وشقيقة”، مع التأكيد على علاقاتها الودية مع الهند.
على النقيض، أعلنت إسرائيل دعمها الصريح للهند، حيث أيد السفير رؤوفين عازار الضربات الصاروخية الهندية على مواقع في باكستان، واصفًا إياها بـ”رد مشروع على الإرهاب”.
أما بريطانيا، فمن جانبها، أصدرت تحذيرًا لمواطنيها بعدم السفر قرب الحدود الهندية الباكستانية، مشيرة إلى المخاطر الأمنية في كشمير وبلوشستان.
* دوافع سياسية ومخاطر نووية
يرى محللون أن الأزمة قد تكون مدفوعة بدوافع سياسية داخلية، خاصة في الهند، حيث يواجه حزب الشعب الهندي بقيادة ناريندرا مودي تحديات انتخابية.. تصعيد الخطاب القومي قد يعزز شعبية الحزب، وفقًا لتقارير إعلامية.
في باكستان، يُنظر إلى موقف إسلام آباد المتشدد على أنه محاولة لتأكيد التزامها التاريخي بقضية كشمير، التي وصفها قادة مثل محمد علي جناح بـ”شريان الحياة” للبلاد.
ومع ذلك، فإن امتلاك البلدين لأسلحة نووية يرفع المخاطر إلى مستويات كارثية.. عدة منشورات على منصة “إكس” عكست هذا القلق، حيث حذر مستخدمون من “طبول حرب نووية”، مشيرين إلى الإجراءات المتسارعة مثل تعليق التأشيرات وإغلاق الحدود.. في الوقت نفسه، يرى البعض أن الولايات المتحدة قد تلعب دورًا حاسمًا في منع الحرب، نظرًا لمصالحها في المنطقة.
رغم التصعيد، تبقى هناك مساحة للدبلوماسية، فدعوات الأمم المتحدة والدول الكبرى للحوار تفتح الباب أمام وساطات محتملة، خاصة من دول مثل إيران وقطر، ومع ذلك، فإن استمرار الإجراءات الانتقامية، مثل تجميد معاهدة نهر السند، قد يعقد المشهد.
المجتمع الدولي، وفقًا لتصريحات مسؤولين، يدرك أن العالم “لا يتحمل” حربًا بين دولتين نوويتين، مما يضع ضغطًا على نيودلهي وإسلام آباد للعودة إلى طاولة المفاوضات.
في الختام، تظل كشمير جرحًا نازفًا في قلب العلاقات الهندية الباكستانية، والهجوم الأخير كشف هشاشة التوازن بين البلدين. مع تصاعد الخطاب العدائي وتحذيرات دولية متزايدة، يبقى الأمل معلقًا على جهود دبلوماسية حاسمة لمنع تحول الأزمة إلى كارثة إقليمية وعالمية.